فصل: ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بناء البيت العتيق:

قال الله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق} وقال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} وقال تعالى: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء ووالد الأنبياء عليه أفضل صلاة وتسليم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل وقد قدمنا في صفة خلق السموات أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها وكذلك معابد السموات السبع كما قال بعض السلف إن في كل سماء بيتا يعبد الله فيه أهل كل سماء وهو فيها كالكعبة لأهل الارض فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني له بيتا يكون لأهل الأض كتلك المعابد لملائكة السماء وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السموات والأرض كما ثبت في الصحيحين أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولم يجيء في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت بناهض ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له قد طفنا بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة وقد قال الله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة قيل مكة وقيل محل الكعبة فيه آيات بينات أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده وإمام الحنفاء من ولده الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال مقام إبراهيم أي الحجر الذي كان يقف عليه قائما لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء كما تقدم في حديث ابن عباس الطويل وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة:
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه ** وراق لبر في حراء ونازل

وبالبيت حق البيت من بطن مكة ** وبالله إن الله ليس بغافل

وبالحجر المسود إذ يمسحونه ** إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل

وموطيء إبراهيم في الصخر رطبة ** على قدميه حافيا غير ناعل

يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا متنعلة ولهذا قال تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} أي في حال قولهما: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عز وجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}.
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار وأن يجعله حرما محرما وآمنا محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى: {أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم} وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حراما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا} وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة والاولى والأخرى وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به أنبياءه ورسله وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحدا قبله وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة كان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق إبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لأهل الأرض ان يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات ورفيع الدرجات عند البيت المعمور الذي هو كعبة اهل السماء السابعة المبارك المبرور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بناية البيت وما ورد في ذلك من الأخبار والآثار بما فيه كفاية فمن أراده فليراجعه ثم ولله الحمد فمن ذلك ما قال السدي لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس وذلك حين يقول تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} فلما بلغا القواعد بنيا الركن قال إبراهيم لإسماعيل يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال يا أبتي من جاءك بهذا قال جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الله ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل وأن ذا القرنين وكان ملك الإرض إذ ذاك مر بهما وهما يبنيانه فقال من أمركما بهذا فقال إبراهيم الله أمرنا به فقال وما يدريني بما تقول فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق.
وذكر الأزرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم وفي الصحيحين من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول الله إلا تردها على قواعد إبراهيم فقال لولا حدثان قومك وفي رواية لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية أو قال بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما اشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين عنه فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على ما فعلوا وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير فقال له إني اخشى أن يتخذها الملوك لعبة يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد فاستقر الأمر على ما هي عليه اليوم.

.ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم:

قال الله وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهم قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين لما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماما يقتدون به ويأتمون بهديه وسأل الله أن تكون هذه الأمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه فأجيب إلى ما سأل ورام وسلمت إليه الإمامة بزمام واستثنى من نيلها الظالمون واختص بها من ذريته العلماء العاملون كما قال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وقال تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} فالضمير في قوله: {ومن ذريته} عائد على إبراهيم على المشهور ولوط وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبا وهذا هو الحامل للقائل الآخر أن الضمير على نوح كما قدمنا في قصته والله أعلم وقال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} الآية فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته وهذه خلعة سنية لا تضاهى ومرتبة عليه لا تباهى وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان إسمعيل من هاجر ثم إسحاق من سارة وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم فكانت فيهم النبوة وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل وأما إسمعيل عليه السلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق وسيدهم وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة والدرة الزاهرة وواسطة العقد الفاخرة وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة وقد ثبت عنه في صحيح مسلم كما سنورده أنه قال سأقوم مقاما يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم فمدح إبراهيم أباء مدحة عظيمة في هذا السياق ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول أن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ورواه أهل السنن من حديث منصور به وقال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهم يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم} ذكر المفسرون لهذا السؤال أسبابا بسطناها في التفسير وقررناها بأتم تقرير والحاصل أن الله عز وجل أجابه إلى ما سأل فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور واختلفوا في تعينها على أقوال والمقصود حاصل على كل تقدير أمره أن يمزق لحومهن وريشهن ويخلط ذلك بعضه في بعض ثم يقسمه قسما ويجعل على كل جبل منهم جزأ ففعل ما أمر به ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه وكل ريشة تأتي إلى أختها حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشيء كن فيكون فأتين إليه سعيا ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا ويقال إنه أمر ان يأخذ رؤسهن في يده فجعل كل طائر يأتي فيلقي رأسه فيتركب على جثته كما كان فلا إله إلا الله وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينا لا يحتمل النقيض ولكن أحب ان يشاهد ذلك عيانا ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله وقال تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ولهذا قال أفلا تعقلون إلى أن قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين فبين أنه كان على دين الله الحنيف وهو القصد إلى الإخلاص والإنحراف وعمدا عن الباطل إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية كما قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم يقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون} فنزه الله عز وجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين ولهذا قال تعالى: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} يعني الذين كانوا على ملته من اتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم وهذا النبي يعني محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل وكمله الله تعالى له وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا قبله كما قال تعالى: {قل إني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} وقد قال تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}.